كتابنا اليوم تحت عنوان ((الدواخل الليبية في مجموعة دراسات للرحالة الالماني غوتلوب ادولف كراوزه) ترجمة عماد الدين عانم ... ((2)).
استمرار لسلسة المقالات ((ذكر قبيلة البراونة في اقليم فزان بليبيا في كتب التاريخ)) التي هدفنا منها نشر مآثر الاجداد وايماناً منا بمقولة ((ان الجهل سيختفي عندما يقدم كل شيء علي حقيقته)) نستمر في تقديم اليوم كتاب اخر ... واهمية الكتاب انه يعتمد علي مخطوطات ووثائق ليبية محلية مع مشاهدات المؤلف خلال رحلته.
بداء الكتاب بمقدمة للمترجم عماد الدين عانم تحت عنوان (1) ((بين يدي
الكتاب)) يتكلم فيها عن اهمية الكتاب.
ـ الاقتباس من الصفحة ((11)).
نتوخي من هذا الكتاب تقديم
مادة مصدرية حول الدواخل الليبية، فالمادة حولها مازالت ضحلة واخترنا لهذا الغرض
دراستين ألفهما عالم اللغات الأفريقية الألماني غوتلوب آدولف کراوزه وتتعلق
أولاهما بالتاريخ لفزان منذ الفتح العربي حتى نهاية حكم أولاد محمد وتدرس ثانيتهما
غات تاريخية وطبوغرافية واقتصادية وسكانية.
وتتناول الدراسة الأولى على وجه الخصوص تاریخ فزان الحديث إذ أن
کراوزه يلخص في إطارها مخطوطا عثر عليه في فاليتا، يتناول فترة حكم أولاد محمد وقد
سبقه في هذا المجال الرحالة الألماني غيرهارد رولفس عندما نشر في كتابه عبر
افريقيا ملخصا لمخطوط عربي اطلع عليه في مرزق خلال اقامته فيها في 1865م.
ولدي مقارنة الملخصين وجدت أن مخطوط فاليتا ومخطوط مرزق متباینان في
تسلسل الأحداث فحرصت أن أضيف إلى الكتاب ملخص رولفس الذي أخذه عن مخطوط مرزق ومهدت
له بملاحظات حول الرحالة رولفس وكيفية اطلاعه على المخطوط، الذي لانعرف حتى الآن
أي مظان له وهو بحكم المفقود وبذلك نكون قد مكنا القارئ من الاطلاع على مضموني
مخطوطتين عن فترة حكم أولاد محمد ووضعناهما متجاورتين.
وأما دراسة کراوزه حول غات فتمثل الغاية الأساسية لهذا الكتاب إذ أنها
أعدت بحيث تصبح مرجعا لكل من يروم الحصول على معلومات حول هذه المدينة التي كانت
تمثل وقت إعداد الدراسة إحدى المراكز الهامة للتجارة الصحراوية ولم نقع حتى الآن
على دراسة أشمل منها وعلى الرغم من أنه قد مضى الآن على تأليف هذه الدراسة ما يزيد
عن قرن إلا أنها ستبقى مصدرا مفيدة وموثوقة إلى حد بعيد حول غات وتزداد أهمية هذه
الدراسة عندما نترجمها إلى العربية إذ أننا لا نمتلك حول غات أية دراسات أو
معلومات مجمعة في إطار عمل واحد مثلما هي عليه في هذه الدراسة.
ونقصد أيضا من ترجمتها التذكير بتقاليد أصبحنا
نفتقر إليها. فقد كان في كل منطقة شخص أو أكثر يحرصون على رواية تاريخ منطقتهم
ومعرفة دقائق الأمور فيها.
وإن دراسة کراوزه ما كانت لتصبح على ما هي عليه
لولا معلومات أحد أبناء غات وهو الحاج عثمان بن عمر التي قدمها إلى کراوزه شفويا
ثم كتابية وننشرها في آخر الكتاب وهذا ما نفصله في المدخل الذي تناولنا فيه ترجمة
کراوزه ودراساته حول الدواخل الليبية وجعلناه في مقدمة هذا الكتاب.
وهكذا فإن كتابنا يقع في أربعة أقسام رئيسية
وملحق أولها المدخل الذي يعرف بکراوزه وآثاره وثانيها دراسته حول تاريخ فزان
وثالثها ملخص رولفس مخطوط مرزق ونشرنا معه مايوازيه من مخطوط فاليتا للمقارنة
بينهما ورابعها دراسة کراوزه حول غات وأضفت إلى ذلك ملحقة يضم مخطوط تاریخ غات
الذي ألفه الحاج عثمان بن عمر الغاتي وكتبه بالهاوسا، ولدى تقييمي للمقالات
الصحفية الكثيرة التي كان کراوزة يرسلها إلى بعض من الجرائد الألمانية والتي جمعت
أعدادا كبيرة منها. وجدت مقالة هامة عن غدامس تتضمن معلومات مفيدة رأيت أن أضمها
إلى هذا الكتاب.
وإذ ننشر هذه النصوص، يحدونا الأمل أن نفسح
المجال أمام دراسات أخرى تعتمد على مصادر أفضل ولا ننظر إلى محاولتنا هذه سوى أنها
تفتح العيون على مادة هامة مكتوبة بلغة قد تكون صعبة على بعض الباحثين، ولاسيما
الإشارات إلى هذه الدراسات في المراجع نادرة ولم تقع عليها إلا في إطار عملنا في
جمع الدراسات المنشورة بالألمانية حول ليبيا.
وليس من المستبعد أن نكون وقعنا ببعض الأخطاء في
الأسماء على الرغم من الجهود المضنية التي بذلناها في سبيل تفادي ذلك ومنها قراءتي
المتكررة للمخطوط الذي وضعه الحاج عثمان بالهاوسا وحشد فيه كل معلوماته حول غات
وكل ما نبغية أن تكون مساهمتنا في نشر هذه النصوص ودراستها مفيدة والله من وراء
القصد طرابلس کانون (ديسمبر) 1989م ... د: عماد الدین غانم.
2ـ ص((13)) تحت عنوان ((المدخل)) :::
*عنوان (1) ص((13)) تحت عنوان ((ترجمة غوتلوب آدولف كرواوه)) :::
يدكر فيها عن معاناته وشغفه الشديد لتحقيق اهدافه بحضور الي افريقيا.
ــ الاقتباس من الصفحة ((14)).
ــ وفي طرابلس التي وصلها 1868 التقى الرحالة الهولندية الثرية
الكسندرينا تینه فضمته إلى حاشيتها، وتوجه معها إلى مرزق حيث اجتمع مع الرحالة
الألماني غوستاف ناختیغال الذي كان في طريقه إلى كوكه عاصمة برنو لتسليم هدية
الملك البروسي إلى الشيخ عمر الكانمي سلطان برنو وفي مرزق ... ((انتهاء
الاقتباس)).
*** ص((15)) تحت عنوان ((2)) ((لمحه من اهم
دراسات كراوزة حول الدواخل الليبية)) :
ــ (ص((15)) (دراسته عن تاريخ فزان)) ... يذكر
معلومات عن سير رحلته الي ليبيا وكيفية حصوله علي المخطوطات في مالطا سنة 1878م.
*عنوان (2) ص((16)) تحت عنوان ((دراسته عن مدينة غات)) :::
ــ ص((16)) ((دراسته عن مدينة غات)) ... يتكلم عن
العلاقات التي نسجها في طرابلس و منها شخصية الحاج عثمان ين عمر من غات الذي ساعده
في كتاباته عن غات.
ـ الاقتباس من الصفحة ((18)) ويمكن تقسيم المخطوط إلى ثلاثة مواضيع
رئيسية وملحق وهي:
أولا: القسم التاريخي، ويتضمن رواية تأسيس مدينة جبل البرس التي كانت
قائمة قبل غات، والصراع القبلي، واتفاق القبائل على تأسيس مدينة غات... ((انتهاء
الاقتباس)).
ــ ((ص 19)) وقائمة بأسماء حكام غات، أو كما يسميهم کراوزه ملوك غات
ترجمة لكلمة سركي عن الهاوسا منذ تأسيس المدينة حتى ضمها إلى الإدارة العثمانية في
1875 م.
ــ تشكل المواضيع الواردة في المخطوط نواة دراسة کراوزه عن غات
ومواضيع الدراسة أشمل من المخطوط ولذلك اضطر کراوزه إلى الاستفادة من مصادر أخرى
وخاصة الشفوية وقد استكمل معلوماته عن التجارة الصحراوية من أقوال تجار غدامس
وغيرها من المدن، ومن روايات الرحالين حولها وعلى الرغم من مضي نيف وقرن على هذه
الدراسة إلا أنها لا تزال ذات قيمة علمية طريفة ولم يكتب حتى الآن عن غات ماهو
أشمل منها.
ــ ((هامش)) يذكر کراوزه في دراسته عن لهجة غات ص (19) أن ضم غات إلى
الدولة العثمانية جرى في 1874او 1875 على أن هذا الاجراء تم في 1875 ويتضح ذلك من
القرار رقم 13 تاريخ 19 - 5 - 1875 الذي ينظم إجراءات ضم المدينة والتقرير المؤرخ
في 1/ 7/ 1875 والذي يبين أن الأمر قد سار دون أية عوائق.
كما يتضح أيضا من الإدارة السنية التي صدرت في 16/ 7/ 1876 التي تتضمن
منح أوسمة اللذين خدموا الدولة العلية بإلحاق غات بها وهم متصرف فزان ومنح نیشان
مجيدي من الدرجة الرابعة، ومحمد الصافي قائمقام غات واخنوخن من مشايخ الأزقر وقد
منحا نیشانا مجيدية من الدرجة الخامسة.
وهذا كله يؤكد أن غات قد ضمت إلى الدولة العثمانية في منتصف العام
1875. انظر عبد الرحمن تشايجي الصراع التركي الفرنسي في الصحراء الكبرى ترجمة علي
اعزازي مراجعة محمد الأسطى طرابلس، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، 1982 ص
89 ... ((انتهاء الاقتباس)).
ــ ص((20)) ((دراسات كراوزة الأخرى عن ليبيا)).
ــ ص((21)) ((وفاة كراوزة ومصير تركته)).
3ـ عنوان (3) ص((29)) تحت عنوان ((دراسة كراوزة عن تاريخ فزان وملخص
مخطوط فاليتا)) :::
ــ الاقتباس من الصفحة ((31) ...
تحت عنوان ((دراسة في تاريخ فزان
وطرابلس خلاصة مخطوط عربي محفوظ في المكتبة العامة بفاليتنا في جزيرة مالطا لم
يتيسر نشره حتى تاريخه)) .
3ـ ملاحظات تمهيدية:
إن ما نعرفه عن تاريخ فزان المبكر ضحل جدا، ولم يسبق أن درس دراسة
شاملة... وأما جمع الحقائق التاريخية عن طرابلس الغرب الذي قام به رحالة أو مؤرخون
حتى الآن، فقد ظل دون أهمية على الإطلاق عندما فتح مصر عمرو بن العاص قائد الخليفة
عمر بن الخطاب وتحقق له ذلك بعد دخوله الاسكندرية في محرم 21 هـ (ديسمبر 641 م).
وبعد ذلك بعام زحف عمرو بقواته غربا وفتح قورينا وبرقة، ثم أرسل قائده
عقبة بن نافع الفهري فاندفع بقواته حتى زويلة ولندع السؤال مفتوحة فيما إذا كانت
زويلة أو زوُيلة هي زلة إلا أنه يبدو وحسب البيانات التالية أن زلة ليست زويلة
الخطاب ففي العام 23 هـ صيف 644 م فتح عمرو طرابلس الغرب (وهذا ما يذكره أبو
المحاسن والذهبي وابن عبد الحكم والبكري) وكانت في ذلك الوقت تعرف باسم آخر تذکره المخطوطات
العربية بصيغ مختلفة وأثناء حصاره المدينة وجه عمرو قائده بسر بن أرطاه إلى ودان
ففتح المنطقة وجمعها مع سرت في ولاية واحدة حسبما يذكر ابن حوقل.
إلا أن أهالي وان لم يلتزموا بالصلح الذي عقدوه مع بسر وعندما توجه
عقبة بن نافع غربا في العام 46هـ / 664 م ووصل إلى غدامس (على الأغلب يجب ان يكون
اسمها مغمداس اذ حدد موقعها في منطقة سرت).
ــ الاقتباس من الصفحة ((32))
خلف فيها القسم الأكبر من جيشه بقيادة زهير بن قيس ثم تابع زحفه على
رأس أربعمائة فارس وأربعمائة جمل نحو ودان ففتحها بيسر وقطع أذن ملك هذه المنطقة
عقوبة له على نكثه الصلح، وتحذيرا من العودة إلى مثل ذلك التصرف.
وبعد ذلك فتح جرمة عاصمة فزان
وعامل الملك على نفس المنوال ثم توغل في جميع المواقع الحصينة في تلك البلاد،
وفتحها ووصل حتى کوار،، ومنها عاد إلى ثقل جيشه في زويلة ثم تابع طريقه باتجاه
الغرب.
يذكر الادريسي أنه في مطلع القرن العاشر الميلادي أسس عبد الله بن
الخطاب من قبيلة هوارة مدينة زويلة ،، وجعلها عاصمة فزان الواقعة في ظل حكمه
وقطنها في العام (32هـ/ 968م).
وإذا ما صحت رواية الادريسي فمن المفروض بالطبع أن تكون المدينة التي
فتحها عقبة في ۲۳ هـ غير هذه المدينة وربما أمر عبد الله بن الخطاب بنهب زويلة
القديمة، وتدميرها إثر المقاومة التي أبدتها ضده، ثم بنى مكانها مدينة جديدة أطلق
عليها نفس الاسم.
وفي معجم البلدان لياقوت يرد اسم زويلة الخطاب وزويلة أخرى في تونس
وثالثة في مصر وهي من أحياء القاهرة وتلفظ بصيغة التصغير زويلة.
إن حكم بني الخطاب استمر حتى نهاية القرن الثاني عشر الميلادي، عندما
وصل المغامر قراقوش (العصفور الأسود) إلى فزان قادمة من مصر وقضى على آخر أمير من
هذه السلالة بتعذيبه حتى الموت. وكان يرجو من وراء ذلك الضغط عليه ليعترف بمكان
كنوزه المخبأة وتتمثل البواعث على هذه الحملة في النقاط التالية:
عندما تزايد ضغط الفرنجة خلال
فترة الحروب الصليبية على الخليفة الفاطمي طلب مساعدة نور الدين الزنكي سلطان
الشام فأرسل اليه قائده صلاح الدين الأيوبي(1) إلى مصر الذي قام بدوره بتنحيه
الخليفة والاعتراف بالخليفة العباسي في بغداد ((انتهاء الاقتباس)).
هامش (1) إن
القائد الذي أرسله نور الدين كان اسد الدين شیرکوه عم صلاح الدين وكان صلاح الدين
أحد ضباط الحملة ونهض بمهام صعبة وتمكن أن يصبح وزيرة لدى الخليفة الفاطمي بعد
وفاة عمه.
الاقتباس من الصفحة ((33))
ــ وفي العام 569 هـ فتح تورانشاه أخو صلاح الدين اليمن لصالح أخيه...
وبعد ذلك اقترح ابن اخيه المظفر تقي الدين على صلاح الدين القيام بفتح المغرب،
فوافقه على ذلك اتخذ جميع الترتيبات اللازمة لهذه الحملة إلا أنه تراجع عن مشروعه
في اللحظة الأخيرة، لاعتقاده أنه قد يصطدم بمقاومة فائقة.
إلا أن عددا من صغار القادة لم يكن راضية عن ذلك فهرب شرف الدین
قراقوش وابراهيم بن فراکتین من وحداتهم غربا إلا أنهما انفصلا عن بعضهما بعد حين
فقد فتح قراقوش بقواته المشكلة في أغلبها من قبيلة الغزسنتريا (سيوة) وأمر بالخطبة
للسلطان صلاح الدين ولسيده المظفر، وبهذا يعترف بسيادتهما وقد أبلغها ذلك ثم أصبح
صاحب أوجله وزويله وطرابلس وقابس وكثيرة من المدن والمناطق الأخرى.
وأثناء عملياته اللاحقة لقي تأييد أحد أحفاد الملثمين واسمه على بن
اسحاق الميورقي أي أنه من جزيرة ميورقة وبعد وفاته دعمه ابنه يحيى إلا أنه وقعت
نزاعات بين الطرفين فانضم يحيى إلى قبيلة دياب العربية القاطنة في جبال طرابلس
الساحلية، ونازلا معا قراقوش الذي كان قد أسس حكمه في تلك الأثناء في ودان، إلا
أنه حوصر هناك.
وعندما نفذت المؤن من المدينة
استسلم بعد أن وضع شرطة واحدة وهو أن يقوده ولده إلى القتل وعندما خرج من المدينة
إلى المعسكر المنتصر خاطبه ابنه قائلا إلى أين تقودنا يا والدي ؟ فأجاب إنك تقودنا
إلى حيث أرسلنا أسلافنا وجرى صلب قراقوش بناء على أمر يحيي وكان ذلك في العام 609
هـ.
وقد خلف ولدا آخر قدر له أن يبرز في أحداث هذه المنطقة وعرف ابن
قراقوش بجرأته ومروءته وكان ذا جمال نادر وأسند إليه الخليفة المستنصر أن يتولى
قيادة إحدى الوحدات في العاصمة.
ــ الاقتباس من الصفحة ((34))
إلا أن الحياة الهادئة لم ترق له فعاد إلى بلاد ودان حيث كان ظهوره
مؤشرا لحروب جديدة... إن ملك (مای) کانم / دونیه دبلامي الذي وسع فتوحاته حتى تلك
المناطق هاجم هذا المشاغب وتمكن منه وقتله وأرسل رأسه إلى عاصمة كانم ليعرض أمام
أعين الشعب وقد جرى ذلك في 656 هـ /1258م.
الا نعلم كم من الوقت استمرت سيطرة كانم على فزان وكانت تراغن مركز
الحكم لولاية فزان وحسب رواية أبي الفداء فقد كانت قائمة في مطلع القرن الرابع عشر
الميلادي وفي إثر النزاعات الداخلية أخذ حكام ولايات الأطراف بالاستقلال. وهكذا
يمكن أن تكون فزان قد ظلت فترة من الزمن تحكم من جانب ولاة كانميين حتى ظهور
الشريف محمد الفاسي في فزان حيث أسس حكم سلالته... ورغم أن جده حكم هذه السلالة
التي ظلت تحكم حتى مطلع القرن التاسع عشر بلغت خمسة قرون إلا أن المخطوطة المالطية
تبين أن بداية حكم السلالة كانت في الغالب في مطلع القرن السادس عشر.
وفي هذا القرن وقعت تغيرات سياسية جذرية في الشمال الأفريقي والبلدان
الواقعة جنوب الصحراء... وفي منشور بایوي للعام 1494م أهدي البابا ملك قشتالة جميع
مناطق الشمال الأفريقي... ولهذا فقد نزل بعد عقد من الزمن الكاردينال کزیمنس في
افريقيا... واحتل عدة مناطق... فاستنجد أهالي الجزائر بالقرصان البحري التركي
بربروسا وبذلك هيئوا للتخلي عن استقلالهم السياسي.,, وأصبحت الجزائر بعد ذلك ولاية
عثمانية خلال النصف الأول من القرن السادس.
وفي منتصف القرن السادس عشر تعرضت طرابلس الغرب لنفس المصير وكذلك
تونس في النصف الثاني من القرن ذاته وأما المغرب فقد حافظت على استقلالها لابل
توسعت خلال القرن المذكور توسعة كبيرة.
إن دولة صنغاي العظمى الواقعة جنوب الصحراء على جانبي النيجر والتي
يصف ليون الأفريقي ازدهارها الذي شاهده في عهد حاكمها الأسقي العظيم، هذه الدولة
اندحرت أمام القوة الصغيرة المسلحة بالبنادق والمدافع التي أرسلها سلطان المغرب
مولاي ادريس... وعلى العكس من ذلك فإن بورنو ـ هكذا كانت تسمى كانم بعد أن انتقل
ثقل من شرق وشمال شرق بحيرة تشاد إلى الضفة الغربية ـ كان تشهد عصر ازدهارها
الثاني بعد أن استراحت من الحروب الداخلية طوال سنوات وعلى وجه الخصوص في ظل
ملوكها الممتازين ونذكر منهم أدرس علومه.
الاقتباس من الصفحة ((35))
وعلى الأغلب تزامنت حملة المغاربة ضد تمبكتو مع الحملة الأولى التي
وجهها العثمانيون ضد فزان، إلا أنه مضى قرنان من الزمن حتى أصبحت فزان ولاية عادية
من ولايات الدولة العثمانية وتحقق ذلك في 1842 م، عندما قطع والي طرابلس العثماني
غدرا ووحشية رأس آخر حاکم مستقل في فزان السلطان أو الشيخ عبد الجليل وأرسله إلى القسطنطينية.
وفي سنة 958 هـ /1551م حط أسطول السلطان سليمان بن سليم تحت إمرة محمد
باشا درغوث(1) في بلدة تاجوراء (3) حيث كان مراد آغا هو المتصرف واتفق مراد ودرغوث
أن يسير الأول برة باتجاه طرابلس بينما يهاجمها الآخر بحرة .
الهامش... (1) إن درغوث
الذي عرفه الأوربيون باسم درغوث لم يكن قائد الأسطول بل كان سنان يتولى هذا
المنصب.
(2) تقع إلى الشرق من طرابلس.
(3) من
مشاهير غزاة البحر وكان ضابطا لدي خير الدين بربروسا الذي يفوقه شهرة في الغزو
البحري وأصله من فرمان وغالبا ما دعاه الأوربيون، وبعد أن فرض سيطرته على تاجوراء
أعلن حاكمة وفي 1534 حاول اجتياح طرابلس في هجوم مباغت إلا أنه صد وأصيب بجراح
بليغة وعندما توفي تبعه مراد آغا.
ــ الاقتباس من الصفحة ((36))
وتمكنا من تخليصها من الجنوبيين (1) وولي درغوث (2) على طرابلس وبايعه
أهل جزيرة جربه وصفاقس وسوسة والمنستير والحمامات، وهي جميعها تتبع تونس حاليا.
وفي سنة 966/ 1559 هاجم أسطول من بعض بلاد النصارى درغوت إلا أنه
انتصر عليهم(3) وفي 978 هـ / 1570 م انضم درغوث
باثني عشر سفنيه إلى الأسطول العثماني الذي أرسل لاحتلال مالطا تحت إمرة القبطان
باشا بير علي.
وأثناء الحصار أصابت طلقة مدفعية درغوث في بطنه فتوفي متأثرة بجراحه (4)
وبعد ذلك عادت مجموعة السفن إلى طرابلس تحمل جثمانه حيث خلفه كاهيته محمد باشا إلا
إنه لم يحكم سوي مدة قصيرة حتى خلفه يحيى باشا وفي ظل ولايته وجه العثمانيون من
طرابلس حملة ضد سلطان فزان وفي 1587985م كان يحكم في فزان السلطان منتصر بن محمد
الفاسي (5) وكانت له زوجتان تدعى الأولى جود بن شاروما بن محمد الفاسي وهي ابنة عمه وتسكن في سبها ولم تنجب له سوى البنات.
الهامش... (1) لم
يكن الجنوبيون يسيطرون على طرابلس وقتئذ بل فرسان القديس يوحنا.
(2) جرى ذلك في منتصف أغسطس
(3) إن أول وال عثماني على
طرابلس كان مراد آغا خلفه درغوث وإن مؤلف الكتاب وهو جغرافي الملك الفرنسي كان
شاهد عيان على حصار طرابلس.
(4) إن تاريخ هذه الحملة النصرانية التعيسة ضد غزاة البحر في المتوسط
ومحاولتها إعادة احتلال
طرابلس وصفها ألفونسو أولوا في كتابة تاريخ احتلال طرابلس الغرب.
(5) يحدد هامر في كتابة تاريخ
الدولة العثمانية تاريخ وفاة درغوث في 16 يونيا 1565 ويقول عنه مؤلف أوربي من
القرن الماضي أنه كان كغاز بحري أكثر إنسانية مما يعرف عن غزاة البحر.
وأما زوجته الأخرى فقد أنجبت له عدة أولاد وكانت تقطن في القصر الأحمر
بمرزق، وكان يمكث عند هذه بضعة أيام وعند الأخرى بضعة أيام وقد شعرت بنت عمه جود
أنه لم يعد يكترث بها وسيطرت عليها مشاعر الغيرة وعزمت على الانتقام وعندما كان
المنتصر في مرزق كتبت بالخصوص إلى يحيى باشا وإلى الديوان في طرابلس، ووعدت في
رسالتها أن تؤيد أية قوة ترسل من طرابلس، وتمكنها من امتلاك فزان .
وأثناء ذلك عاد المنتصر إلى سبها إلا أن زوجته جود امتنعت عن استقباله
وأغلقت أبواب القصر دونه، ووضعته في حالة دفاعية ووقع قتال بين أتباعها وأتباع
المنتصر ثلاثة أيام فمات المنتصر كمدا وحين توفي ندمت جود على الرسالة التي وجهتها
إلى الوالي إذ أنها كانت تأمل أن تفرض نفسها حاكمة على فزان وفي إثر ذلك خافت أن
يكون الوالي وديوان طرابلس قد وقفوا على رسالتها، وأخذت تستعد لمقاومة القوة
القادمة من طرابلس وهي تأمل أن تكون قوتها كافية لهذا الغرض وبعد فترة قصيرة ظهرت
القوة العثمانية وطلب قائدها من جود أن تفي بما جاء في رسالتها إلا أنها امتنعت
ووقع قتال وهاجموها ودخلوا قصرها وقبضوا عليها وعذبوها عذابا شديدا ثم أحرقوها .
وفي مرزق تسلم الحكم الناصر بن المنتصر بعد وفاة أبيه وما إن بلغه
الخبر أن الحملة المرسلة من طرابلس امتلكت سبها حتى جمع أمواله وإخوانه وأرباب
دولته وهرب إلى بلاد كشنة في السودان. وتوجهت الحملة إلى مرزق وامتلكت المدينة
وجميع فزان، وجعلوا قائدا عليها اسمه مامي التركي، وجعلوا معه جزءا من الجيش
العثماني ليكون بمثابة حامية في فزان وأما بقية الحملة فقد عادت إلى طرابلس.
ــ الاقتباس من الصفحة ((38)).
ولم يتحمل أهل فزان السيطرة العثمانية إلا فترة قصيرة فقد قاموا ضد
مامي التركي وقتلوه والحامية العثمانية بأجمعها، ولم ينج منهم سوى عدد قليل هربوا
إلى طرابلس وفي الوقت ذاته أرسل أهل فزان إلى الناصر بن المنتصر وفدا إلى کشنة،
وطلبوا منه أن يعود لتسلم الحكم في فزان فعاد وبايعوه وحكم حتى وفاته 1008/1600م
... وتولی بعده ابنه المنصور وأخذ يدفع قليلا دون أن يشعر أنه ملزم بذلك. إلا أنه
على كل حال لم يهتم بأمر طرابلس إلا قليلا، إذ أنه كان همه أن يحسن الأوضاع في
فزان.
وفي 1020/1612م طلب سليمان داي الذي كان في تلك الأثناء داية على
طرابلس من المنصور أن يرسل له كمالة الخراج. وعندما امتنع أن يعطي شيئا
ــ الاقتباس من الصفحة ((39)).
قليلا وجه العسكر إلى فزان ويتشكلون من فرسان ومشاة. فلما بلغ الخبر المنصور جمع عشرة آلاف مقاتل وسار ضد القوة العثمانية، والتقى بهم في أم العبيد حيث يوجد بئر يقع إلى الجنوب من الحماده وشمالي سبها. وبعد قتال شديد کسر أهل فزان وتوفي المنصور إثر الجراح التي أصيب بها في القتال. وعندما شعر بنهايته أمر المنصور أخاه الطاهر أن يهرب بالحريم والمال إلى بلاد السودان كي لاتقع في أيدي المنتصر.
ــ الاقتباس من الصفحة ((40)).
وهكذا سيطر العثمانيون للمرة الثانية على فزان وجعلوا عليها قائدة
اسمه حسين النعال ومعه طائفة من الجند، إلا أن هذه السيطرة العثمانية الثانية كانت
الفترة أقصر من الأولى، إذ أن أهل فزان قاموا في 1022 / 1613م وقتلوا القائد
والحامية.
وعندما قضوا على القوة العثمانية طلبوا من الطاهر أخي المنصور أن يعود
من بلاد السودان وأعلنوه سلطانا وحكم بعدل حتى1032/1613م ، عندما زاد في الخراج
على الخرمان الذين ينزلون وادي الآجال. وفي الوقت ذاته كان يقدم إلى طرابلس شيئا
قليلا لماذا فعل ذلك هل كان ذلك بمحض إرادته أم على أساس اتفاق؟ فهذا أمر غير واضح
ولا نجد ما يدل عليه في المخطوط الذي نتناول.
وفر الخرمان إلى طرابلس حيث
كان يتولى الأمر رمضان داي الذي ربط صهره محمد باي الساقزلي بحكمه ... وقد استقبل
الاثنان الخرمان بالإكرام واتفقوا على محاربة السلطان بمساعدة القوات العثمانية.
وعندما بلغ الطاهر خبر وصول هذه القوات فر إلى برنو، حيث كان الحاكم السلطان عمر
المقدسي الذي كان يكره الطاهر... وسبب ذلك أن الطاهر سمل عيني ابني أخيه محمد
المنصور وهما محمد والمنتصر وأرسلهما إلى برنو فاشتكيا إلى السلطان عمر المقدسي
سلطان برنو... فغضب للأمر حتى عزم على القدوم عليه بحملة إلا أنه عرف ذلك عندما
أخبره بعض المنجمين أن الطاهر سيأتي إليه من تلقاء نفسه. وعندما ما بلغ الطاهر
بلاد المرة حيث يفترق الطريق غرب بلاد السودان وبلاد برنو رغب بمتابعة الطريق نحو
برنو وسعی اتباعه ومنهم أخوه جهيم أن يتوجه معهم إلى بلاد السودان، إلا أنه أبي
وعندما أصر الطاهر على موقفه تركوه يمضي إلى سبيله وتابعوا طريقهم إلى السودان
ووصل الطاهر إلى برنو ومعه اثنا عشر حملا ذهبا ، فلما بلغ السلطان عمر المقدسي
الخبر أمر بالقبض عليه وعلى أولاده وجعلهم في شكائر جلدية وأغرقهم في النهر... وفي
تلك الأثناء استولى العثمانيون على فزان وجعلوا عليها قائدة اسمه أحمد بن هويدي
الخرماني من وادي الآجال وأبقوا معه طائفة من العسكر.
ــ الاقتباس من الصفحة ((41)).
لحراسة البلاد وضبط خراجها فلم يزالوا بها حتى 1036-1627م وعندما
انقطع أهل فزان عن دفع الخراج وأرسلوا وفدا إلى کشنه حيث توفي جهيم أخو الطاهر
وخلف ولدا اسمه محمد (1) وطلبوا منه العودة إلى فزان ليتولى الحكم وعندما بلغ
القائد الخبر قام بحملة مع من تبقى من أتباعه لملاقاة محمد بن جهيم فتلاقوا في
بلاد حميرة بين زويلة وتراغن وهزم محمد العثمانيين وحلفاءهم وفر القائد أحمد
بأتباعه إلى مرزق وطارده محمد وفرض عليه حصارا شديدا وطلب المحاصرون مساعدة محمد
الساقزلي الذي تولى الأمر في طرابلس عوضا عن قريبه رمضان داي عثمان بك على رأس
محلة إلى فزان ولم يعلم محمد بن جهيم بأمر هذه التعزيزات، ويبدو أن وصول هذه القوة
خفف من جرأته وبعد معارك بسيطة مع القوات العثمانية فر أمامهم، إلا أنه على ما يظهر
قاوم لمدة طويلة في مواضع أخرى وظل الأمر على ذلك إلى أن اجتمع مرابطو البلاد
وأتوا إلى عثمان وطلبوا منه الصلح ووقع الصلح ووضعه سيدي حامد الحضيري((2)) الذائع
الصيت وتتلخص فقراته فيما يلي:
1ـ أن يخرج العثمانيون من كل أرض فزان.
2ـ يجب أن يتولى شيخ الحكم البلاد(3).
3ـ يصبح محمد بن جهیم شيخ فزان.
4ـ يتوجب على الشيخ أن يدفع
أربعة آلاف مثقال ذهبا إلى طرابلس يؤدي ألفان منها رقيقا وجعلوا قيمة الرقيق الذكر
25 مثقال والأنثى 30 مثقلا والفتي 80 مثقلا ويتحمل شيخ فزان نفقة الرقيق إلى
طرابلس كما يتوجب عليه تفويض من يتوفى من الرقيق أثناء الطريق من فزان إلى سوكنه.
ــ الهامش ... (1) من المشكوك فيه أن يكون المقصود هنا أخا عمر أو الطاهر وحسب الاسمين
المذكورين فإنه يمكن القول أن الأخير هو الأرجح.
(2) يقصد حامد بن حامد بن محمد حضیري بن عبد الله بن ابراهيم ولد في
بلدة الجديد بسبها حيث اسس زاويته واشتهر بعلمه وسدادة رأيه وتوفي حوالي 1058/
1648 انظر أحمد الدريدر بن محمد العالم الحضيري ، المسك والريحان فيما احتواه عن
بعض اعلام فزان، تحقيق ابوبكر عثمان الحضيري سبها 1996 ص 85 وما بعدها.
(3) هنا تبدأ مخطوطة مرزق التي اعتمدها غيرهارد رولفس في كتابه عبر
افريقيا (ج اص 136 وما بعدها) في تأريخه لفزان إلا أنه لا يقول عن محمد بن جهيم
سوى أنه حكم خلال الفترة1036 -1067 وتوفي وفاة طبيعية.
ــ الاقتباس من الصفحة ((43)).
5ـ على الشيخ(1) أن يرسل هدایا سنوية إلى أعيان طرابلس ويذكرون بالاسم
الباي (2) السقيفة (3) وكبير المحلة(4) وآغا الترك(5) وأغا العرب وكاتب الحكم(6)
والشواش(7).
كما تضمن الاتفاق أن يرسل شيخ فزان إلى باشا طرابلس المجعول مع رجل
يدعى بك النوبة وجعلوا لهذا البك أيضا مجعولا ذهبا ورقيقة.
وعندما جرى الصلح على هذه الشروط أبلغ عثمان باي الباشا محمد الساقزلي
فوافق عليه وأمر عثمان باي بالعودة إلى طرابلس وقد فعل بعد أن أكره أهل فزان على
دفع جميع تكاليف الحملة... وحكم محمد بن جهيم فزان حتى وفاته في1069/1658م ... وتولى
ابنه جهیم الحكم وظل يدفع الخراج وفق بنود الصلح. وحكم بهدوء حتى وفاته في
1593/1682م.
ــ الهامش ... (1) يذكر الرحالة الألماني فريدريك هورنمان (1799) أن لدى حكام فزان خاتمان
رسميين في الخاتم الأول الذي يستخدمونه في ختم مكاتباتهم التي يرسلونها إلى طرابلس
يتلقبون بلقب شيخ إلا أن الفزانيين لم يطلقوا على حكامهم لقب شيخ على الاطلاق بل
كانوا يدعونهم سلاطين كما كانوا يسمونهم شرفاء وهو لقب يقترن بمزيد من الاحترام
والتبجيل لديهم باعتبارهم من سلالة النبي عليه السلام.
(2) الباي هو قائد الجيش، وفي عهد القرمانيين كان يدعى جميع أولاد
الباشا بلقب البك وأما ولي
العهد وهو الأكبر سنا بين أولاد الباشا فكان يدعى بك دون اضافة اسمه
ويتولى قيادة القوات.
(3) السقيفة وهي مقعد عريض أو صوفا توضع أمام الأبواب أو في القاعة
المؤدية إلى مقر الكاهية
وإن كاهية السقيفة هو نأنب الباشا في الأمور الرسمية والدينية ووضعت
له في القاعة صوفا رائعة في صنعتها.
(4) كبير المحلة وهو كاهية ثان أو كاهية الميدان أو نائب الباشا في
الشؤون العسكرية.
(5) آغا الترك قائد القوات التركية.
(6) كاتب الحاكم وهو الكاتب الأول أو الوزير لدى الباشا.
(7) الشواش جمع شاويش وهم
رجال المراسم لدى الوالي وفي الغالب ما يكلفون بتسليم أوامر الوالي.
وتولى بعده أخوه النجيب محمد بن جهيم. وامتنع عن الالتزام بشروط الصلح
فأرسل حسن باشا عباره متولي طرابلس ووزيره مراد المالطي على رأس حملة ضد النجيب
أشاع مراد باي أنه قاصد بنغازي ودرنه وما أن بلغ قصر الشديد في سرت حتى أسرع
بالمسير نحو سوكنه حيث وصل في ثلاثة أيام وأخذ سوكنه وودان ... ثم فرض سيطرته على
سبها ... ولم يفلت منها أحد إلا رجل واحد هرب إلى مرزق، وأبلغ النجيب بما حدث فجمع
ما تيسر له من الجند وخرج الملاقاة القوات العثمانية، والتقى الجيشان في قرية
دوليم على مسافة ست ساعات شمالي مرزق ... فأوقع مراد باي الهزيمة في صفوف قوات
فزان وقتل النجيب وسيطر بعدئذ على مرزق، حيث نهب خمسة عشر حملا من الكنز وأشياء
كثيرة وسمح لعساكره بنهب المدينة وأقام مراد باي واحدا وعشرين يوما في مرزق وتركها
بعدئذ في يد محمد الناصر أخي النجيب، وكان قد أعطاه الأمان بعد معركة دوليم وقبل
أن يغادر مراد باي مرزق أسقط عن محمد الناصر خراج ثلاث سنوات وبعد ذلك انتظم تأدية
الخراج حتى1101/1689م.
ثم امتنع محمد الناصر عن تأدية أي شيء ... وعقب ذلك وجه اليه محمد
شايب العين باشا طرابلس وزیره یوسف باي وقد حافظ هذا على كتمان أمر حملته مثله في
ذلك مثل مراد باي وخرج بالجند نحو تاورغاء، ومن هناك سار خیله بسرعة نحو فزان ...
وعلى الأغلب وصل إلى قرابة من مرزق وكان اليوم الأول من القتال الصالح یوسف باي
وانقلب في اليوم الثاني لصالح محمد الناصر وكان القتال في اليوم الثالث دامية إلى
درجة أن الفريقين غدوا غير قادرين على الاستمرار في القتال.
وسبب خروج المحلة بقيادة يوسف باي كان بتحريض من على المكني وابن عمه
محمد الغزيل وهما من أسرة طرابلسية ثرية ونافذة... وكان الأخير قد عين سلفة حاكمة
على فزان واهتم كلاهما أن تكلل الحملة بالظفر... ولهذا استدعى المكني أخوة محمد
الناصر وأولاد أخوته خفية إلى المعسكر، ووعد كلا منهم بحكم فزان ... وهكذا فقد رأى
محمد الناصر أن أركان حكمه قد انهارت وفقد الأمل بالنصر فأرسل إلى يوسف باي يطلب
الأمان له ولوزيره المسعودي وحاشيته.
ــ الاقتباس من الصفحة ((45)).
ثم أرسل يوسف قاضي الناصر حماد بن عمران وحمله الأمان المطلوب وقد
كتبه بيده فخرج من قصره وتوجه إلى يوسف باي بالمحلة... ولم يف بالعهد فعذبه ثم دخل
مرزق ونهبها وفر محمد بن جهيم ابن أخي محمد الناصر ... أما أقارب محمد الناصر
الآخرون فإما أنهم قتلوا أو ظلوا قيد الاعتقال ... وعين يوسف باي محمد الغزيل
حاكما على فزان وأبلغ محمد باشا شايب العين بذلك ثم عاد إلى طرابلس على رأس جيشه مصطحبة
معه محمد الناصر ووزيره المسعودي قيد الاعتقال وفي طرابلس أودعهما السجن
وبعد أن حكم محمد الغزيل فزان خمسة أشهر ثار عليه أهل فزان وحاصروه في
قصره وقبضوا عليه وقطعوا يده فمات في إثر ذلك. وكان محمد الغزيل قد أمر أثناء حكمه
بقطع يد أحد أبناء فزان، وأرسل أهل فزان بعد ذلك إلى بلاد السودان يطلبون قدوم
تمام بن محمد ومحمد بن جهيم، وبايعوا أولهما بالحكم وأرسلوا إلى محمد باشا شايب
العين والي طرابلس يطلبون منه العفو والتزموا بتأدية الخراج وعندما علم آل المكني
بالخبر أقنعوا الباشا بإرسال جيش إلى فزان انتقاما لما حدث وقد حدث ذلك وتولى
القيادة على المكني الذي كان يشغل وظيفة باي النوبة ورافقه أخوه محمد المصري وفي
طريقه استعان المكني بأهل بني وليد، وقصد فزان وهو يبغي قتل جميع أفراد سلالة بني
محمد وأعيان البلاد.
وعلم محمد بن جهيم بالأمر وهجم تمام لمواجهة الجيش أو الفرار إلى بلاد
السودان، إلا أن تمام لم يحزم أمره لأنه اعتقاده أن على المكني قادم بمفرده الي جبي
الخراج وليقدم له الخلعة من حضرة الأمير محمد باشا شايب العين وعلى هذا الأساس
توجه تمام وحده إلى معسكر علي المكني وظل محمد بن جهيم في بلاد السودان، وهذه
الثقة التي أبداها تمام أدهشت علي المكني فقد طلب أن يجمع له جميع الأعيان وأولاد
الملوك وكان يبغي أن يقتلهم جميعا إلا أنه أجل انتقامه ودخل مع أخيه إلى مرزق حيث
أقاموا سنة... وبعد مضي فترة من الزمن عاد محمد بن جهيم من بلاد السودان إلى فزان
فرابط ورجاله في وادي الحزمان فخرج علي المكني وأخوه لملاقاته، إلا أن محمد بن
جهيم أغار عليهم ليلا وقتل معظم أفراد القوة العثمانية.
ــ الاقتباس من الصفحة ((46)).
فطلب علي المكني الأمان فأجيب
إلى طلبه بشرط أن يترك كل ما نهبه من خزنة الكنز ... وأما تمام الذي لم تكن له أيه
سلطة ... فقد أزيح من منصبه وتسلم محمد بن جهيم الحكم وانسحب علي المكني وأخوه
محمد المصري بعد أن خلفا ما نهباه وتوجها إلى سبها وأخبرا أخاهما الحاج يوسف في
طرابلس بما حدث وطلبا منه أن يسعي لإرسال قوة جديدة.
وفي سبها قام جبر الفلفاط من أولاد سليمان بمحاصرة على المكني وأخيه
وقتل محمد المصري أثناء القتال ... وأخيرا وصل الحاج يوسف على رأس قوة كلفه الباشا
محمد بقيادتها، وحرر أخاه علي المكني وأرسله إلى طرابلس وهكذا فقد علي المكني
الأمل بالحصول على التاج ونصح محمد باشا أن يفرج عن محمد الناصر ويعيده إلى بلاد
فزان بكل احترام فوافق محمد باشا على الاقتراح وغادر محمد الناصر السجن حيث أمضى
خمسة عشر شهرا ... بحيث يتولى عرش فزان. وظل محمد الناصر يؤدي الخراج بانتظام على
مدى سنوات إلا أنه امتنع في 1128/1716م عن الاستمرار في ذلك فخرج اليه أحمد باشا
القرمانلي بنفسه وخلف أخاه الحاج شعبان باي نائبا عنه في طرابلس، وبعد أن فرض
الحصار على مرزق عشرة أيام متواصلة، بلغه تمرد بعض الجند في منطقة طرابلس، فارتحل
من فزان وعاد إلى طرابلس وكان محمد الناصر قد أرسل إليه وفدا من المرابطين وكبار
دولته، وتلطفوا إليه وطلبوا العفو والخضوع له والتزم محمد الناصر بدفع ما تخلف عنه
من الخراج وتكاليف الحملة.
في 1131/1719م توفي محمد الناصر فخلفه ابنه الناصر... وفي 1144/ 1732م
أرسل أحمد باشا ابنه سيدي محمد باي القرمانلي على رأس قوة وحاصر مرزق وفي تلك
الأثناء كان قد أرسل حملات إلى جميع الأقاليم وعزز أحمد باشا قوات ابنه بقوات
إضافية من الفرسان والمشاة وتولى قيادة التعزيزات أحد ابنائه محمود باي، ثم أرسل
تعزيزات إضافية أخرى بقيادة خليل بن خليل القرغلي ... کا وعندما شاهد أحمد الناصر
هذه القوات التي لا يستطيع مقاومتها طلب العفو والأمان، فوافق محمد باي بشرط أن
يدفع الشيخ أحمد الناصر ما يترتب عليه من الخراج وجميع تكاليف الترتيبات الحربية.
ــ الاقتباس من الصفحة ((47)).
ثم أخبر محمد باي والده بالنصر إلا أن أحمد باشا لم يرض بذلك، فأرسل
من جديد قوة من الفرسان والمشاة بقيادة كاهيته حسن لحمر، وأمر ابنه ألا يعود إلى
طرابلس دون أن يحضر معه الشيخ أحمد الناصر ... والتقى حسن لحمر محمد باي في سبها
وعندما عرف بأوامر والده عاد إلى مرزق، وعلم الشيخ أحمد بأوامر أحمد باشا فتوجه مع
ابنه إلى معسكر محمد باي بعد أن أعطاه الأمان.
وعندما وصل الشيخ أحمد طرابلس جمع أحمد باشا ديوانه وباعه إلى ابنه
محمد باي ((بفلسين)) وبعد هذا الإذلال أعاد إليه اعتباره وأرسله إلى فزان وولاه شيخا
عليها ... أرسل معه رجب بن الحاج أحمد بن مصطفى بيري لتخريب سور مرزق.
وفي 1158/ 1746م توفي أحمد باشا القرماني وفي ظل حكم ابنه محمد باشا
طلب الشيخ أحمد الناصر الإذن بإعادة بناء سور مرزق فأذن له وفي 1166/1754م ... توفي
سيدي محمد باشا وخلفه ابنه علي باشا القرماني.
*** ((انتهاء الجزء الاول)).
*** الخلاصة:
1ـ وصل المؤلف الي طرابلس ((ليبيا)) في اواسط القرن التاسع عشر بتحديد
سنة 1868م...و تقابل وفق المؤلف في طرابلس مع الرحالة الالماني ((غوستاف
اناختيغال)) و الذي كان في طريقة الي مدينة كوكا عاصمة مملكة ((برنو)) ...وكان
الرحالة الالماني في طريقة لرحلة في مهمة مكلف بها من ملك ((بروسيا)) لتسليم هدايا
الي الشيخ عمر محمد الامين الكانمي ((سلطان برنو)) في مدينة ((مرزق))... ونستنتج الاتي:
2ـ اثبت الكتاب ان مملكة برنو في ذلك الوقت من عام ((1868م)) كانت تحت
حكم السلطان الشيخ عمر محمد الأمين الكانمي وكانت عاصمتها ((كوكا)) وكان الشيخ
الكانمي يديرها من ((مرزق)) في ليبيا.
*** مع ملاحظة ان قبيلة الكانميين وقبيلة البراونة يرجعون لجد واحد
وهو محمد بن إبراهيم بن احمد بن قيس بن ابي بكر يتسلسل الي سيدي عقبة بن نافع
الفهري... وكل من ((الكانميين)) و((البراونة)) أخذوا
اسمهم من المنطقة التي حكموها فهم أبناء عمومة ... فالبراونة في ليبيا جدهم ابوبكر
سلطان ((برنو)) والكانميين في ليبيا جدهم ((احمد)) هم اخوة أبناء محمد بن إبراهيم
بن احمد بن قيس بن ابي بكر ولديه ولدين اخرين هم ((إبراهيم وعثمان)).
3ـ اوضح الكتاب ان سيطرت الاتراك علي كامل الاراضي الليبية اخرها كانت
مدينة غات التي ضمت إلى الإدارة العثمانية في منتصف سنة 1875م ... وليس كما يروج
ان العثمانيين سيطروا علي ليبيا قبل ذلك.
3ـ ذكر المؤلف سرد تاريخي لمراحل الصراع بين العثمانيين ودولة اولاد
امحمد لمن اراد الاطلاع عليها يمكنه تنزيل الكتاب.
(اللهم اجعلني من الذين إذا
قراؤو يفهمون .. وان كتبوا يحسنون ..وما التوفيق الا من عند الله)
((لا أله الا انت سبحانك أنى كنت من الظالمين))ـ
استغفر الله ... استغفر الله ... استغفر الله عن أي
خطاء أو أفكار أو كتابات ضد سننك أو تشكك في اعتقادي بوحدانيتك استغفر الله ...
استغفر الله ... استغفر الله واثوب اليه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق