(( 5)) مقتطفات من كتاب (( قبائل ألفلان دراسة وثائقية))
تأليف ((أ.د الهادي المبروك الدالي ))
((قبائل ألفلان أو الفلاتة يتواجدون بكثرة في ليبيا بالمناطق الجنوبية و علي الأخص بمدن مرزق و اوباري و سبها و غدوة و حج أحجيل و فنقل و ودان و زلة ونزريك الشاطئ و تكركيبة و الرقيبة وكذلك بنسبة أقل في المدن بنغازي و اجدابيا و طرابلس تحت مسميات قبائل متعددة الفلاتة وأولاد حمدان و أولاد اللافي و ألفودة و البراونة ))
اثر الإسلام و اللغة العربية في اللغة الفلانية:
عندما دخل الإسلام القارة الإفريقية وجد أداناً صاغية له قبل أن يجدها في خارج مكة وفي الشعاب التي بداخلها,ونقصد بذلك هجرة أصحاب رسول الله صلى الله علية و سلم إلي الحبشة, فمنذ ذلك التاريخ صار الإسلام و لغته العربية التي نزل بها يتجسدان في وجدان و عواطف العديد من المجتمعات الإفريقية.
وبذلك أثرت على لغات الشعوب الإفريقية, وثقافتها و عادتها و تقاليدها على مر العصور, فانتهى بذلك تطوير العديد من اللغات و الرقي بها ألي مصاف اللغات المكتوبة ومن بينها اللغة الفلانية التي صارت أداة لنشر الإسلام و ترسيخ مبادئه و مفاهيمه وسط قاعدة العريضة من المجتمعات الإفريقية,ووسط المجموعات اللغوية الصغيرة المحاذية لهم, وقد عملت اللغة العربية على تنمية و تغذية اللغة الفلانية بالألفاظ عن طريق الاقتراض,و المفاهيم بواسطة الاطلاع و التبحر في الدين الإسلامي,وتطورت آدابها بما تزودت من الأدب العربي.
كما أعطت اللغة العربية اللغة الفلانية الحرف العربي فرسمت بها أصواتها, وأهلتها كفاية أدائها التي يتداولها ألفلان كما تداولها غيرهم من شعوب العالم,و يتضح ذلك فيما سطروا بها من مخطوطات ووثائق مختلفة بهذه اللغة,فضلاً هما سجلوه فيها باللغة العربية, واستمرت عنايتهم بالخط العربي واعتمادهم علية الي ما قبل عهد الاستعمار.
انتماؤها اللغوي و خصائصها:
تنتمي اللغة الفلانية إلي فصائل اللغات الأطلسية الغربية وهي من عائلة لغات النيجر الكردفانية, و يطلق عليها في النيجر و مالي و بوركينا فاسو و نيجيريا والكاميرون و تشاد (فولفلدى) وكما تسمى (بولار) في كل من السنغال و غينيا و غامبيا و موريتانيا.
ومن ابرز مظاهر اللغة الفلانية نظام التقليب المنتظم للصوامت عند ذكر الأسماء أو تصغيرها و تكبيرها, كما تتميز بتراتبية الأفعال حيت تتول الأصوات الانفجارية إلي احتكاكية أو العكس, وكذلك تنتقل الصوامت الفموية إلي الانفموية مثل كلمة: هورس بمعنى الرأس عند جمعها تتحول إلي كو.
و يمكن أن نوجز أهم مظاهر و خصائصها في الأتي:
1ـ أن اللغة الفلانية تعبر عن الوظائف النحوية بوضع مورفيمات, فكلمة "أنا" في اللغة الفلانية"من",وإذا أردنا أن نقول "نحن" نضيف نوناً آخر بين الميم و النون,نقول " منن" وكذلك في الفعل مثل : "فعلت" منطي, أذا قلت "فعلنا", نضيف: "كافاً" فنقول : منكطي.
2ـ أن اللغة الفلانية تعتمد علي الموقفية فتعبر عن الفاعلية و المفعولية فتورد الفاعل ثم الفعل فالمفعول مثل: "على جنكى دفتري" "قرأ على الكتاب".
3ـ الفاعل دائماً يأتي قبل الفعل, ولا يجوز مجئ الفعل في مقدمة الجملة ألا نادراً مثل: " محمد يمى " "يرى" فكلمة محمد هي الفاعل, وكلمة يمى هي الفعل.
4ـ أما الجانب الصرفي فأن اللغة الفلانية ليست لها أداة تعريف, وكذلك النكرة ليس لها علامة تدل عليها.
5ـ أما التذكير و التأنيث: فان اللغة الفلانية لا تتعامل التذكير و التأنيث مثل لغة الهوسا و العربية, بل تنظر ألي الكائنات من حيث أنها حية أو غير حية, ومن حيث حجمها أو شكلها أو ملمسها أو المادة التي عملت منها, ومن هنا تنقسم الكائنات ألي مجموعات, مثل مجموعة الآدميين, و مجموعة المواد السائلة, و مجموعة الأشياء الخشنة و كل مجموعة اسمية لها خصائصها الصرفية و الدلالية الخاصة بها,وهده الخصائص عبارة عن أزواج من المرفيمات في الشكل سوابق ولواحق كل زوج يختص بصيغتي المفرد و الجمع, و تشتق منه الضمائر و أسماء الإشارة و بعض العناصر الصرفية و النحوية.
ومن حيث تعدد لهجات اللغة الفلانية فانه راجع ألي سعة المساحة الجغرافية التي تنتشر فيها اللغة الفلانية, مما أدى إلى تعدد لهجاتها فهي تقريباً ست لهجات رئيسية وهي :
1ـ لهجة فوتا تورو في السنغال.
2ـ لهجة فوتا جالون في غينيا.
3ـ لهجة ماسنا في مالي.
4ـ لهجة سكتو الجزء الغربي من جمهورية النيجر و أجزاء من بوركينا فاسو.
5ـ لهجة وسط و شمل نيجيريا أي في منطقتي كانو و برنو.
6ـ لهجة أمادوا في جمهورية نيجيريا و الكاميرون.
إلا أن تعدد اللهجات في اللغة الفلانية لم تودي إلي عدم فهم بعضهم للبعض الأخر, بل إنهم يتفاهمون فيما بينهم بسهولة.
و لقد تأثرت اللغة الفلانية باللغة العربية تأثراً شديداً إلي حد أن جزء من مصطلحاتها استعانت عليها و اعتمدت علي مفردات عربية فعلى سبيل المثال فأن أسماء الأسبوع,و أسماء أوقات الصلوات الخمس وكذاك عقود الإعداد من العشرين إلي تسعين , وأسماء الشهور الاثنى عشر عربية, فاللغة الفلانية أخذت من اللغة العربية أكثر من إلف و خمسمائة كلمة, هدا ما أكده الشيخ عبد الله بن فودي في رسالته المعنونة تحث اسم " مسالة أصل الفلانيين" حيث قال: على أن لغتنا هذه اللغة الفلانية كثيرة التوافق باللغة العربية. لم تقتصر اللغة الفلانية في استعارتها من العربية على الحروف و الأرقام بل استعارت أوزانها الشعر ايظاً.
فاستخدموا كثيراً من بحور الشعر العربي مثل الطويل و البسيط و الرجز و الوافر و الكامل و المتقارب...الخ في إشعارهم, فانتشرت هذه البحور فحاكوها,إضافة ألي لذلك انتشرت معرفة نظام الشعر المثلث و المخمس و المسبع, و قد أدى عامل الارتباط بالقافية الواحدة في نضم القصيدة الواحدة دوراً كبيراً في إدخال عدد كبير من الكلمات العربية ألي اللغة الفلانية ,وهذه قصيدة نونية باللغة الفلانية
يرجع تاريخها إلي أواخر القرن التاسع عشر, و مضمونها هو الثناء على الله و مدح رسول الله صلى الله علية و سلم, و الخلفاء الراشدين و الصالحين و عثمان بن فودي, فهي تشبه إلي حد كبير القصيدة العربية في كثير من الوجوه:
نص القصيدة
1ـ مُديت مجدو و تعضيم حنان ستارنون شحر يطويم منان
2ـ الحمد لله مينز ييم نون نومو حاند لمل تغنفود و اخوان
3ـ مد يتمو بنو ذات بنزذات مم فنوج العرش يدوم دوملوان
4ـ مد ي تطو نمش أم مجي سري غيبيوج فو غم اند مم رحم
5ـ سبحان جتريطو ذات ولابك مولا بو فطم توو لا بو مكان
6ـ دو ميطوفا ابد مورثر بوليالتا وولا جهات مولا بطوييوزمان
إلي أن قال:
7ـ مدُيت بو فود يغو شيخ مجدد نور الزمان مفود بن عثمان
و ترجمتها إلي العربية:
1ـ أحمده وهو الحنان الذي خلقني وهو الستار الذي سترني و المنان
2ـ الحمد لله احمده كما يستحق أن تحمده الخلائق و الإخوان
3ـ أتني علية كما أتني الذات علي نفسه وهو الذي استوي علي العرش
4ـ أتني على من أحاط بضعفي وانعم علي وستر عيوبي كلها
وهو الذي سمى نفسه بالرحمن
5ـ سبحان الذي استغنى بذاته و صفاته ليس له أولية و لا مكان
6ـ هو الدائم إلي الأبد لا يلحقه الفناء ولا يختص بجهة دون أخري
وهو المتقدم علي الزمان
7ـ أتني علية لأنه هداني علي يد شيخ مجدد
وهو عثمان بن فودي نور الزمان